كتاب حارس ليلي للسماء PDF
تأليف : مصطفى السيد سمير
صنعت لنفسي كوبا من الشاي على رواقة.. أنتهز فرصة خروج الجميع أمي إلى السوق والأطفال إلى الحارة المتربة بينما أحظى بإجازة قصيرة.. أصوات المشاجرات وتلفزيون المقهى وصياح الأطفال بالخارج ترزع الأبواب وزجاج الشبابيك كأنها توشك على هدم البيوت الصغيرة المتساندة على بعضها البعض.. أرفع البراد الصغير من البوتاجاز.. أخرج عودا من النعناع من مخبئه بين ملابسي وأضعه في كوب الشاي وأرشف برضا.. أتأمل جدار المطبخ أمامي.. ثم أمر بعيني على باقي الجدران.. حزم البصل والجرجير ورفوف العلب البلاستيكية الصغيرة وسبت الخبز والحلل منطفأة البريق.. اكتشفت أنني أرى هذا المكان للمرة الأولى.. هذا المطبخ الذي لا يخلو أبدا من الصخب والبخار وحركة أمي البطيئة وتقافز الصغار حول حلل الكبدة ولحمة الراس في أيام الأعياد.. أخرج إلى الصالة فأشعر أنها لم تعد بهذا الضيق الذي كنت أشعر به.. أفتح نافذة غرفتي وأرشف الشاي بينما أتأمل الأطفال المتدافعين في الحارة والبلكونات التي تكاد تخفيها تماما حبال الغسيل المثقلة.. هكذا إذا يصاب الناس بالالتهابات الشعبية - مثلما أسر لي ابن جارنا طالب الطب - ثم روماتيزم القلب.. فتضيق صمامات القلوب.. تضيق على الفرح والحلم ورائحة الشاي بالنعناع والعلاقات الحميمة في الفراش..