قصة كتاب الرَّمل PDF
من تأليف : خورخي لويس بورخيس
ترجمة : سعيد الغانمي
إن بورخيس هذا يتأمّل، ويسائل ويغرز مسباره عميقاً في معنى الزمن والواقع والفكر، معيداً تشكيل العالم عبر رؤياه هو، الفنان والحالم والمفكِّر، متجاوزاً مظاهر الأشياء التي كان يؤمن أنّ مهمة الأدب تنحصر في تعريتها، والقبض على جواهرها.
مقتطف من الرواية :
" التمست العذر لهذا الإخفاق، غير أن التماس العذر شيء، ورؤية ما يقع شيء آخر، مرة بعد أخرى قلت لنفسي أنَّ حلّ هذا اللغز لا يهمني، وأنَّ اللغز الحقيقي هو الزمن، تلك السلسلة المنتظمة من الماضي والحاضر والمستقبل، من الأبد والأزل، وقد ظهر أن هذه التأملات لا قيمة لها، لكني مع ذلك، كنت بعد كل ظهيرة مكرسة لدراسة شوبنهور أو رويس أتمشى ليلة بعد أخرى في الشوارع القذرة التي تحف كاسا كولورادا، أحيانا كنت ألمح في الأعلى ضوءاً ناصع البياض، وأحياناً أخرى أظن أنني سمعت نحيباً، واستمرّت هذه الحال حتى التاسع عشر من كانون الثاني.
كان يوما من أيام بوينس آيرس التي يشعر فيها الإنسان أن الصيف يذله ويهينه ويحط من قدره، انقطعت العاصفة حوالي الساعة الحادية عشرة، في البداية جاءت الريح الشمالية، ثم المياه والسيول، تجولت بحثا عن شجرة، وفي الوهج المفاجئ لإلتماع البرق وجدت نفسي على مقربة بضع خطوات من السياج، ودفعني خوف أو أمل .. لا أدري ..، لكني أدري أنني جربت أن أفتح البوابة، فانفتحت على غير توقع، وخطوت إلى الداخل، مدفوعا بالعاصفة، تحت تهديد السماء والأرض، كان باب البيت مفتوحاً أيضا، اندفع في وجهي سيل من المطر الهادر، فدخلت.