رواية الحي الخلفي PDF
من تأليف : محمد زفزاف
مقتطف من الرواية :
" كانت هناك، إلى جانب الطريق الرئيس، من الطرف الآخر، عمارات من أربعة طوابق أغلب شبابيكها مغلقة، وهناك مساحات أخرى إما مستوية أو محفورة بين شتى العمارات، نبتت فيها أعشاب قصيرة متوحشة، أو تكوَّمت فيها أتربةمن مخلفات الحفر، ومثل هذه العمارات المغلقة النوافذ أو التي لم يستكمل بناؤها والمنتشرة هنا لا بد وأن يحتلها بعض السكان الغرباء إلى حين قرب الصيف، موعد عودة أصحابها الذين يشتغلون في أي شيء في أوروبا، وينامون في أي مكان حتى ولو كان حظيرة أو زريبة، ويقتاتون مما يمكنه أن يملأ البطن، وفي نهاية العمر يعودون إلى الوطن من أجل تحصيل ثمن الكراء بعد أن يكون الجسد قد أُنهك، بطبيعة الحال فإن مجموعة من هؤلاء الذين يحتلون ذلك البنايات قد لا تكون لهم صعوبات حتى ولو كان لهم أبناء؛ فهم ينجبون والسلام، فكما وُلدوا في البادية بدون هوية وبدون علم من الدولة فهم يفعلون نفس الشيء في الضواحي أو في أماكن أخرى مثلما يفعل الذباب والصراصير والزنابير، وهم بدون هوية دائما إلا وقت الإنتخابات؛ إذ يخرجون كجرذان ليقولوا - بصوت واحد - " نعم " وبعد ذلك يعودون إلى جحورهم المظلمة، عين المقدم تمرُّ بكل تأكيد في كل زقاق وتتسرب إلى أية بناية مسكونة أو مهجورة وهو يعرف أسماء أصحابها الأصليين واحداً واحداً، كذلك فإن الساكن الغريب الطارئ لا بد وأن يدفع دون أن يبلغ جاره، وحتى لا يبلغ الجار جاره، حتى لا يسمع مسؤول كبير بذلك.
فالمقدم مجرّد منفذ، وكان السكان الغرباء يفهمون ذلك جيِّدا، ويعرفون أنهم مطرودون في هذه اللحظة أو في تلك، بل قد يتعرضون للجن؛ لذلك، وبعيداً عن هذه البيانات تكوَّمت مجموعة من أكواخ الصفيح الواطئة المتربة، هي في الغالب ملك لهؤلاء الغرباء مغتصبي أملاك غيرهم، أوهي ملك لأقاربهم، فعندما تُشَمُّ أدنى رائحة، أو يسمع أدنى طنين فإن الغريب يجرّ أبنائه ويهرب إلى تلك الأكواخ وإذا لم يكن له جحر هناك، فإنه يتربص على قارعة الطريق وينتظر أول شاحنة لتنقله إلى أقرب نقطة للقرية التي هاجر منها ...