رواية حارة نجوى
من تأليف : آدام سلامة
يخرج متخفيا ليقف على أحوال الرعية بنفسه، لا يعتمد على تقارير العسس والبصاصين ورجال قصره، تذهب به قدماه إلى حيث تشاءان لتستقر به عند باب زويلة، على مدخل الخيامية تنشط الحركة حتى في مثل هذا الوقت من الليل، فالحج لم يبق عليه إلا شهران بعد انتهاء رمضان والخياطون يسابقون الزمن للإنتهاء من كسوة الكعبة ليحملها المحمل إلى الحجاز، إنه ينتوي الذهاب بنفسه على رأس المحمل تواضعاً وشكراً لله ولأداء الفريضة، يعسعس بنفسه في الأيام الباقية من الشهر الفضيل، وهل هناك ما ينقص العباد والبلاد، أم أن كل شيء على مايرام؟ يلفت نظره هذه النصبة التي يعرفها جيداً منذ أن بيع عبدا مملوكا للأشراف برسباي بخمسة وعشرين درهما قبل أن يصير إلى الظاهر جقمق الذي أعتقه واستخدمه في جيشه حتى صار أتابك العسكر قبل أن يبايع بالسلطنة، يتذكر وقفة العبد الذي لا يملك من أمر نفسه شيئا، تتقاذفه الأيادي كما الجماد الرخيص، حتى يصير أمره في النهاية إلى سيد يستخدمه كمملوك محارب أو كأغا خادم الحريم، يتنهد بحزن على ماضيه الذي تركه قبل أن يُخطف ويباع في أسواق النخاسة، يتمنى أن يعود به الزمن ويترك العز والجاه والسلطان ليرتمي بين أحضان أمه التي لا يعلم هل ماتت حرة أم ماتت جارية تحت سيد اشتراها هي الأخرى، تمر لحظات ثقيلة عليه وشريط ذكرياته يمر على عقله إلى أن ينتبه إلى هذا النخاس الذي يعرض بضاعته، ينامون وقوفا كالخيل في وقت غير معتاد من السنة، حيث ينصرف الناس في هذا الشهر إلى العبادة بعيدا عن شراء الجواري والمماليك، لا بد أن هناك خطبا ما، يتحرك في خفة حتى يصير على رأس النخاس الناعس فيوقظه لينظر إليه بعين ناعسة ويشير إليه بأن يأتيه في وقت آخر بالنهار :
- اذهب الآن أيها السيد ولتأت في وقت لاحق.
- ولماذا لا ترحم بضاعتك من برد الليل وتنام أنت ؟ أليسوا بشرا ؟ يفتح النخاس عينيه في صعوبة لينظر إلى هذا الواعظ الملثم الذي أتاه في وقت سخف :
- إن كنت من الوعاظ فلا حاجة لي بوعظك، وإن كنت من التجار فلا أبيع إلى تاجر.
يغتاط من أسلوب هذا التاجر الوقح ويتذكر التاجر الذي باعه في زمن مضى، ويتمنى أن يقبض على رقبته هذا الجشع، ولكنه يتمالك أعصابه، ويكتم غيظه ...".
للـــتحميل إضـــغط هـــــنا
للـــتحميل إضـــغط هـــــنا