كتاب رسائل إلى ميلينا
من تأليف : فرانز كافكا
"كتابة الرسائل لحظات من تلاقي الأطياف، فهي استحضار لطيف المتلقي وطيف المرسل ليتجسدا في كلمات الرسالة، وأحيانا في سرب من الرسائل تدخل سرَّاً، في كلمات الرسالة التي يكتبها المرء "، قال فراز كافكا لميلينا جيسنسكا.
لم يكشف كافكا عن جوهره من قبل كما فعل في رسائله إلى ميلينا، والتي بدأت كمراسلات عمليَّة بينهما، لتتطوَّر لاحقاً إلى شغف " رسائل حب "، كانت ميلينا إمرأة موهوبة جذَّابة في الثالثة والعشرين من عمرها، ومترجمة أعمال كافكا إلى اللغة التشيكية، وكانت قادرة على أن تميز عبقريته الفذَّة الواضحة في حبكات قصصه وشخصيات قصصه المُعقَّدة، أمَّا بالنسبة إلى كافكا إبن السداسة والثلاثين، فقد كانت " كشعلة نارٍ لم يرَ مثلها يوماً "، فأمامها فقط كشف عن حميميته، وهي وحدها من إئتمنها على مذاكرته بعد انتهاء علاقتهما الغرامية.
تبدو كلمات كافكا في رسائله إلى ميلينا أكثر حميمية، وطهارة ، وألما عمَّا هي في أعماله الأخرى، كشهادة على وجوده البشري، وانتظاره الدائم للمستحيل، وهذه ترجمة جديدة لكتابه الكلاسيكي الرائع هذا.
فرانز كافكا أحد أفضل الكُتّاب في القرن العشرين، وأحد أفضل أدباء الألمانية في فن الرواية والقصة القصيرة، يهودي الديانة لكنه لم يكن يوما صهيونيا، فقد كان متصالحا مع الديانات الأخرى، وهو ما سنراه واضحاً من خلال رسائله لميلينا، رغم ذكر ديانته اليهودية عددا من المرات.
يتمكن القارئ بأن يحس بتناقض كبير في أقوال كافكا، لتوتره الدائم وقلقه، بسب نشأته مع والد مسيطر وغياب دور أمه عن حياته - لعملها - لوقت طويل خلال اليوم، مما جعله فريسة سهلة للخوف، فأثر ذلك بشكل كبير على شخصيته وعلاقاته مع من حوله، فلم يكن يوما منفتحاً لأحد، وبدا اضطراب شخصيته واضحاً في رواياته العديدة.
لم يتصرف كافكا يوما على سجيته مع الناس، فكان يحب الوحدة ويعيش في أحلام اليقظة كارهاً أن يقاطعها أحد، حتى التقى بمن أسرت قلبه، " ميلينا " تلك الفتاة الألمانية - المسيحية، والتي تعرف عليها بداية كمترجمة لكتبه ورواياته للغة التشيكية، أحب عملها جداً ولقبها بشعلة النَّار، فهمته كما لم يفعل غيرها واستطاعت أن تجذب قلبه وروحه، فتعلق بها جدا، وبدأ يبوح لها بمكنونات قلبه، حتى تطورت علاقتهما إلى شعلة حب متبادلة، فكانت رسائله لميلينا تغذق بكلمات روحية ، فتغذو أشبه بسمفونية حب جميلة تراقص الروح قبل الأذن، كانت رسائله لها مختلفة ولا تشبه رسائله مع أحد، فقد كانت الأجمل، تخيل وجودها معه رغم غيابها الجسدي، أحب فيها الحياة والجمال، أحب إسمها كثيراً لتجده يناديها في رسائله وكأنها أمامه يحادثها ، وتغنى به في إحدى رسائله وكأنه إسم أسكوري ليعشقه، أعلمها بكل تفاصيل حياته وما كان يحدث خلال يومه، لتجدها حاضرة في يومه ومرافقة في نزهاته.
لكن بعد المسافات بينهما وزواجها ترك بصمة في علاقتهما؛ ليؤثر سلبا عليها وليؤذي أخيراً إلى نهايتها، لكنه إستمر بملاحقة أخبارها وتتبع مقالاتها في المجلات والصحف، وكأن روحها ظلت تترصده وتلاحقه، مرض كافكا مرضاً شديدا في آخر مراحل علاقته بميلينا حتى قضى عليه، فتوفي شابا بعمر 40 عاما.
للــــتحميل إضـــغط هـــنا |