كتاب حديث القلم
من تأليف : الدكتور محمد رجب البيومي
ليس القول وحده مقياس السمو الخلقي لدى الإنسان، فكأين من فلاسفة رسموا المثل العليا للخلق الإنساني في أرفع معانيه، وما كانت أراؤهم الخلقية غير ستار خادع، ضاعف مثالبهم لدى الناس، وشوّه من روائع المعاني .. التي محَّصوها للقارئين أتمَّ تمحيص، إنما المقياس الحقيقي للداعية الخلقي ... أن يتقيد بما قال، بحيث تصبح حياته العملية تطبيقاً أميناً لأرائه النظرية.
مقتبس من الكتاب :
إشترك الأستاذ عزيز أباظة مع الأستاذ عبد الله البشير فيتأليف مسرحية عن شهرزاد ، فكتب الأستاذ البشير المسرحية بالشعر الإنجليزي وتقدم بها إلى عزيز أباظة ليجعلها مسرحية شعرية تأخذ مكانها في الأدب العربي، وروح عزيز أباظة الشعرية تتجلى في كل بيت من سطورها، وقد قال في المقدمة إنّه انتهج في عرضها نهجاً رمزيا واقعيا، فشخوصها ترتدي أثواباً مألوفة، وتتحدث بأنماط من الحديث ليست غريبة عن وضعنا المعاصر حتى أصبح في ميسور القارئ أو المشاهد أن يُطلق أسماء معاصرة على أسماء الرواية، وتتجلى في المسرحية صراعات الإنسان في عراكه الأبدي في سبيل الصلاح خطوة خطوة ليصعد إلى مدارج الرقي في سلم التجارب الإنسانية، حتى يكف عن بطشه ويركن إلى افيمان الصادق معتزلا جاه الحكم، ولائذاً بالزهد العازف! هذا التطور من وضع بالغ السوء إلى وضع بالغ التوبة والندم، كانت شهرزاد الذكية المخلصة الصابرة الطاهرة صاحبة الفضل فيه، وقد لقيت أقسى مظاهر التهديد، واُنذِرَت بشَرِّ العواقب، وترصدتها دسائس الحقدَة، ومكايد الأعداء فما رجعت عن خُطّضتها التي رسمتها لتنقد الوطن بمن فيه وما فيه من كيد شهريار، وقد عبرت عن خُطَّتها النبيلة حين قالت لأختها دُنيازاد :
أختاه قد جئت لأجلو لــه
في ليله الحالك قصد السبيل
حسبي إذا أحسنت تذليله
أن يظفر الملك بملك نبيل
وتتقي الأمة تقتيله
أبكارها في حقد طاغ صئول
ويهول والدها نور الدين وزير الملك ما هي مقدمة عليه من خطر محقق، فيتوسل إليها أن ترجع عن خطتها التي لن تنتهي غير بهلاكها السريع، ويحاورها باذلا قصارى جهده كي تبصر الحقائق، ولا تتعلق بالوهم، فشهريار طاغية جبار لا سيبل إلى إصلاحه ولكن شهرزاد تصمم على رسالتها، وتؤمن بأنها ستنجح حين تنقذ الملك من شروره وتقف دون إراقة الدماء، تقول شهرزاد لأبيها :
إن أشياء في سويداء نفسي
مُرْهِصَات بباسقات الأمور
مُنْبئَات بأنْ للملك براء
في وشيك من الزمان قصير
إن حربا شعواء بين زحوف
الخير والشر والهدى والفجور
تتلظَّى في نفسه وكأنِّي
أُبْصِرُ النَّصر كالصباح المنير
وتستطيع المرأة الذكية ذات الإرادة الجبارة أن تبلغ مرماها بما تسرده من قصص تدعو إلى الأخوة والرحمة والمساواةـ وتجبه الرياء والنفاق وممالأة الطغاة حتى تجعل شهريار يقول لشهرزاد :
خُذي بيدي يا شهر زاد وحطمي
كُبولي فإني كالأسير أسير
مللت حياتي إنَّها كف آبق
مُعَنَّـآ، وقبر - لو علمت - كبير