رواية الليالي البيضاء PDF
من تأليف : دوستويفسكي
رواية الليالي البيضاء - دوستويفسكي |
تدور أحداث هذه الرواية بلياليها القصيرة حول شاب رومانسي، يعيش الوحدة، إلى أن حملته صدفة جميلة من الصدف الوردية، ذات ليلة على لقاء فتاة في إحدى شوارع بطرسبورغ، وهي تبكي آملة قدوم حبيبها، إلى أن شأت لهما هذه الصدفة، على أن يجمعها حب من أول نظرة.
عالجت هذه الرواية على قصرها وبصفحاتها القليلة والمعدودة، واقع هذيان شاب حالم، والآمال المعلقة على مخيلة فتاة مثقلة بأوزار الغرام، هي قصة لقاء ناجح، ولكن انتهت بحب فاشل ... في لحظات الإنتظار الغرامي تحاك مبررات العاشق والأعذار، بأسلوب راقي ميَّز أدب دستويفسكي، المنغمس في كنه وأسرار النفس البشرية ، وكشف كل ما بأعماقها.
مقتطفات من الرواية:
الليلة الأولى
الليلة جميلة، جميلة جمالا لا نراه إلا حين نكون في رعان الشباب أيها القراء الأحبة! السماء تتلألأ فيها النجوم، وهي تبلغ من الصفاء آن المرء يتساءل بالرغم منه حين ينظر غليها : " هل يمكن تحت مثل هذه السماء أن يعيش أناس يملأ قلوبهم البغض وتعبث بنفوسهم النزوات؟ السؤال ساذج؛ ساذج جدا، أيها القراء الأحبة! ولكنني أسأل الله العلي القدير أن يبعثه في أنفسكم أحيانا كثيرة!.. إنني حين أحدثكم عن البشر اللذين تعبث بنفوسهم النزوات ويملأ قلوبهم البغض أتذكر سلوكي خلال ذلك اليوم كله، كانت نفسي تمتلئ حزنا منذ ذلك الصباح، وكان يخيل إليَّ أن اعالم كلّه يهجرني، وأن النّاس جميعا يهربون مني.
من حقكم أن تسألوني طبعا : ولكن من هم " هؤلاء الناس ؟ ذلك أن ثماني سنين انقضت على إقامتي بمدينة بطرسبوغ ، ثم لم أستطع ان أعقد مع أحد أواصر صداقة، ولكن فيم كان يمكن أن يفعني الأصدقاء؟ إنني أعرف بطرسبورغ كلها، لذلك خُيِّلَ إليَّ أن الناس جميعاً هجروني لأن المدينة كلها سافرت إلى الرِّف، إنه ليشق على نفسي كثيراً أن أبقى وحيداً، وهأنذا منذ ثلاثة أيام، أطوف في المدينة هائما على وجهي لا أفهم ماذا يجري في نفسي، أجتاز شارع نفسكى، أو أذهب إلى حديقة الصيف، أو انتزه على الأرصفة، فلا أرى هنا ولا هناك أي وجه، من وجوه أولئك الذين ألفت أن ألقاهم طوال السنة، في مواضع7 معينة وساعات محددة.
الليلة الثانية
جَلَستُ قُربها متجمعا على نفسي، وأخذت أقص عليها كمن يقرأ قراءة :
- إن في بطرسبرج يا ناستنكا أركانا غريبة جداً ، الشمس التي تسطع لجميع سكان المدينة لا تنفذ إلى تلك الاماكن، وإنما تسطع في تلك الأركان شمس أخرى ذات ضياء خاص كأنه خلق لهذه الزوايا التائهة وحدها دون غيرها، البشر يحيون في هذه الزوايا حياة لا تشبه الحياة التي تغلى وتفور حولنا مختلفة غريبة بعيدة، هذه الحياة مزيج من صفاء رائع خيالي مثالي ومن اسفاف تافه وابتذال رخيص.
- الله الله! ... يا لها من مقدمة ! ما عساني سامعة أيضا؟
- ستسمعين يا ناستنكا .. ( آه، ما أسعدني إذ أناديك بهذا الإسم !) ستسمعين أن هذه الأحياء يسكنها بشر يثيرون العجب والدهشة، إنهم الحالمون، والحالم إذا أردت أن أعرِّفه لك ليس إنسانا بل مخلوق ...
لا تحديد له ... إنه يؤثر الزوايا التي لا يمكن بلوغها والوصول إليها، كأنه يهرب من ضوء النهار، مثله كمثل تلك الحيوانات الغريبة - السلاحف - التي تحمل بيوتها معها، ترى لماذا يحبون كل هذا الحب جدرانهم الصغيرة الأربعة المدهونة دائما بلون أخضر، التي يشبع فيها الحزن ويملؤها الدخان بغير انقطاع؟ترى لماذا حين يجئ إلى أحدهم صديق ( لاحظى أنه يفعل كل ما يحسن أن يفعله على خير وجه حتى يغيب عنه جميع الأصدقاء آخر الأمر)، ترى لماذا حين يجئ هذا الصديق يهب ذلك الإنسان الشاذ إلى استقباله خجولا كل الخجل وقد تغير وجهه كل ذلك التغير، حتى لكأنه فارق بين جدرانه الأربعة الصغيرة جرما، كأنه صنع أوراقا نقدية مزيفة، أو نظم أبياتا من الشعر صغيرة ليرسلها إلى مجلة مع رسالة لا يذكر فيها اسمه قائلا إن ناظم هذا الشعر صديق له قد مات ...
الصباح
لياليّ في ذلك الصابح، كان النهار حزينا .. المطر يتساقط، ويلطم زجاج نافذتي كئيبا كآبة الحداد، الظلام يخيم في غرفتي، وأنا أشكو من صداع فيرأسي، وأعاني دواراً.
قالت لي ماتريونا :
- رسالة لك يا مولاي جاء بها ساعي البريد.
- رسالة ؟ ممن ؟
كذلك صحت وأنا أثب من على الكرسي.
- لا أعرف يا مولاي، أنظر أنت، فترى بنفسك....
لــيصلك كل جديد من أصناف الــروايات والـــكتب، قم بتسجيل إعــجابك بصفحتنا عــلى الفيسبوك من : هـــنا