كتاب بلاغة النص التراثي
مقاربات بلاغية حجاجية
من إشراف : د.محمد مشبال
ربط البلاغة بأنواع الخطاب ليس إجراء جديد كل الجدة، على الرغم من أن البلاغة العربية، في تصور شائع بين الباحثين المعاصرين، لم تبن أسس تفكيرها وقواعدها انطلاقا من أنواع خطابية محددة، بل انطلقت من خطاب مجرد يمكن الإصطلاح عليه ب " الخطاب البليغ " بصرف النظر عن تشكله النوعي؛ فالبلاغيون في صياغتهم لمبادئهم البلاغية، ووضعهم لقوائم صور الأسلوب وتأويلاتهم لوظائفها، لم ينشغلوا بالإطار النوعي الذي تنتمي إليه الملفوظات التي قاموا بفحصها، ولكن ذلك أننا نتحدث اليوم عن أكثر من بلاغة؛ ففي سياق البلاغة العربية القديمة يذكر الباحثون أن هناك بلاغتين؛ بلاغة أدبية اقترنت بتقصي الصور الأسلوبية في الشعر والنثر ( ابن المعتز، كتاب البديع )، وبلاغة حجاجية اقترنت بالنظر في الخَطَابة وفي الوسائل الأرسطية عن البلاغة السياسية والبلاغة القضائية والبلاغة الإحتفالية، ونتحدث في سياق البلاغة الجديدة عن البلاغة الإشهارية والبلاغة الإدارية والبلاغة الإقتصادية والبلاغة العلمية والبلاغة الفلسفية وغيرها.
يتضمن هذا الكتاب، مقاربات بلاغية حجاجية لأنواع مختلفة من الخطابات؛ الخطبة السياسية والقصيدة الشعرية والرسالة والوصاية والصورة الشخصية والخبر والنص النقدي، ولعل اعتبار الإطار النوعي في تحليل الخطاب أن يوسع مفهومي البلاغة والحجاج والتقنيات الحجاجية التي تبلورت في النظرية البلاغية ونظرية الحجاج، فلهذه لخطابات خصوصياتها النوعية التي ترفد التحليل بسمات بلاغية حجاجية مختلفة تبلورت خارج حدود هاتين النظرتين، وهذا يفيد أن ربط البلاغة بتحلل الخطابات في سياقاتها النوعية المختلفة، إجراء يقود بالضرورة إلى الإستفادة من نظريات أخرى في تحليل النص، فالحورارية، بوصفها سمة بلاغية حجاجية، تسم عديدا من النصوص، مفهوم تبلور أساسا في الشعرية أو في نظرية الرواية، بيد أنه أصبح مثمرا في التحليل البلاغي الحجاجي للخطابات، ومن هنا جاز للبلاغة أن تستعيره وتؤصله ضمن مفهوماتها النظرية وإجراءاتها التحليلية، ويصدق هذا أيضا على الوصف والسرد وغيرها من الأشكال الخطابية التي تبلورت خارج تخوم الحقل البلاغي بالمعنى المدرسي الدقيق.
وإذاً لم يكن من بين غايات هذا الكتاب اقتراح خطط أو مناهج لتحليل النصوص بلاغيا على الرغم من أعماله تقدم مقاربات بلاغية حجاجية لأنواع مختلفة من الخطابات، فإن من حق القارئ مع ذلك أن يتساءل عن إمكان وجود مناهج لتحليل الخطابات بلاغيا؟
في تراثنا العربي لا يمكن العثور على تصور متكامل عن تحليل بلاغي للنصوص، في مقابل ذلك يوجد رصيد هائل من التوصيف والتصنيف وأحيانا التأويل لعديد من مقومات الأسلوب أو ما يصطلح عليه ب " الوجوه البلاغية " أو " الصور " أو " المحسنات " في الشعر والخطابة والترسل والقرآن الكريم، يشهد على ذلك ما صنعه الآمدي وابن طباطبا وابن رشيق وعبد القاهر الجرجاني والزمخشري والسكاكي وحازم القرطاجني وغيرهم من صُنَّاع البلاغة العربية الذين اكتفوا برصد هذه الوجوه البلاغية أو تأويلها بوصفها معقد البلاغة دون أن ينشغلوا بالنص في كليته، باعتباره نسيجا موحدا، صادرا عن ذات إنسانية، ومرتبطا بشكل من الأشكال بموقف تواصلي؛ ويخاطب ذاتا إنسانية تتفاعل مع ما تتلقاه بعقلها ومشاعرها ، وبذاكرتها وامتدادها في الحاضر.
للـــتحميل إضــــغط هـــــنـــا
للـــتحميل إضــــغط هـــــنـــا