كتاب الخوف السائل
من تأليف : زيجمونت باومان
ترجمة : حجاج أبو جبر
ظلّ الأمل يراود الحداثة الغربية بعد الحرب العالمية الثانية بالتخلص من آثار الدولة الشمولية ونزعاتها المتطرفة، وتأسيس دولة الرعاية الإجتماعية، من أجل استئصال الخوف من المستقبل، وتحقيق الأمن الإجتماعي، لكن ذلك لم يدم طويلا، وتوغلت الخصخصة، وانسحبت الدولة من أدوارها الإجتماعية والإقتصادية والثقافية، وأفسحت الطريق أمام عولمة الإقتصاد، وعولمة الجريمة وعولمة الإرهاب، وتحولت إلى " الدولة السجَّانة " والدولة الأمنية "، التي تستثمر في " رأس مال الخوف "، حتى تضمن شرعية وجودها بعدما تخلت عن كل الأدوار التي كانت تكتسب منها شرعيتها.
وربما لا يمكن استيعاب فكرة الخوف السائل إلا في إطار مرجعي استخدمه زيجمونت باومان منذ أواخر الثمانينات وأوائل التسعينات من الحداثة والهولوكوست ( 1989 )، الحداثة والإبهام ( 1991 )؛ وأعني بذلك النظرية النقدية لمدرسة فرانكفورت، تلك المدرسة التي ارتبطت بتأسيس معهد فرانكفورت للبحث الإجتماعي ( 1923 )، وانصب اهتمامها على نقد العقل العلماني، وكشف تحوله إلى أداة للإستغلال، والظلم والقهر والإقصاء والإبادة والإرهاب والخوف الدائم في كل مكان.
وزيجمونت باومان نفسه يعي أنه يبني نظريته عن الخوف على ميراث مدرسة فرانكفولات النقدية، لاسيما كتاب جدل التنوير الذي ألفه ماكس هوركهايمر وتيودور أدورنو، وهو يصرح بذلك في تصديره لكتاب الحداثة والإبهام، مؤكدا أن أدورنو وهوركهايم كانا أول من أكدا بوضوح أن " عصر التنوير " في بحثه عن النظام المثالي هو خوف أسطوري تحول إلى خوف راديكالي، فليس لشيء أن يبقى خارج النظام لأن مجرد فكرة الوجود بالخارج هي مصدر الخوف نفسه، فكان الهدف من كتاب " الحداثة والإبهام " أن يكسو عظام كتاب جدل التنوير لحماً تاريخيا وسوسيولوجيا، وأن يتجاوز مقدمات أدورنو وهوركهايمر.