رواية ابن الخطيب في روضة طه PDF
من تأليف : عبد الإله بن عرفة
تحكي هذه الرواية سيرة لسان الدِّين إبن الخطيب، شهيدِ المحبَّةِ، وصريعِ الرُّوح الذي يعتبر مع صديقه إبن خلدون أعظم رجلين أنجبهما القرن 8 هـ./ 14 م، في الغرب الإسلامي.
وقد كان لإبن الخطيب الفضل في إبعاد خطر حملات الإسترداد من قشتالة والممالك النَّصرانيَّة، وبلغ أوج قمَّته العلميّة والأدبيَّة والسيَّاسية، وملأ الحمراء بأشعاره وأخباره، فتكالب عليه الأعداء، وفي مقدِّمتهم أولئك الذن أحسن إليهم مثل تلميذه الخائن ابن زمرك، فأفسدوا ما بينه وبين سلطان مملكة غرناطة، ولمّا رأى تغيُّر الأحوال، اضطرَّ إلى الهرب، لكنَّ أعداءَهُ وجَّهوا له زوراً عدَّة تُهم، منها تُهمة الزندقة، فحاكموه، وسجن وعُذِّبَ، ثم قتلوه خنقاً في سجنه وأخرجوا جثَّته وأحرقوها.
لماذا الكتابة عن ابن الخطيب ؟
لقد تحدّثت في البيان الأدبي الذي صدرت به رواية طواسين الغزالي، عن قضيّة الحريَّة والكونيَّة في الأدب، وها أنا أعود إلى هذه القضيَّة مجدّدا مع رواية ابن الخطيب، فما معنى أن تكتب عن شخصيَّات مثَّلت الكونية بامتياز؟
لكن دعون نتساءل أوّلا : من الذي يحدّد الكونيّة اليوم؟ قطعا المراكز الأدبية التي تمارس نوعا من الحماية الأدبيّة على آداب الشعوب التي تكتب في الهوامش الأدبيّة، فالكونيّة إذن من إنتاج المركز، لأنّ الأديب الغربي لا يتساءل مثل هذه الأسئلة التي نطرحها نحن هنا، لأنّه ما دام يكتب بلغة غربيّة، فهو يحظى بدءاً بالثِّقة المرتبطة باللغة التي يكتب بها، حتى ولو كان ما يكتبه من أتفه ما يكتب، لكنّ الأديب غير الغربي، حينما يختار أن يكتب بلغته، فإنّه يناضل ليؤسِّسَ لكونيَّة مختلفة، وحينما ينجح البعض من كتّاب الهوامش في ذلك لا يعدو أن يكون الأمر مكرا آخر يمارسه المركز على آداب تلك الهوامش، حتى يضمن بقاء تلك الهيمنة، ويعمد في تكريس هذا الواقع من خلال نوعيّة اختياراته في ترجمة بعض الأعمال الآتية من الهامش اللغوي والثقافي إلى لغات المركز، قد يخطئ الكثيرون تقدير قيمة الترجمة، وهي بالنسبة لنا تتجاوز مسألة منح جنسية أدبيّة جديدة أو تغيير جنسيّة، بل هي أساساً اكتساب للأدبيّة العالميّة أو الكونيّة، وبعبارة أخرى إنّ الترجمة هي الهيئة العليا للتكريس الأدبي، كان بورخيس يقول عن نفسه بأنه إنتاج فرنسيٌّ، ولهذا السبب تحدثت في بيان سابق عن الترجمة باعتبارها جزءا من الأمن الثقافي.
فالكتابة عن ابن العربي أو ابن سبعين أو الششتري أو الغزالي أو ابن الخطيب أو ابن خلدون يجب أن تحظى ابتدءا بالكونيّة، بالنَّظر إلى قامة هؤلاء في التاريخ الإنساني، لكنّ مجرّد الكتابة عن مثل هذه القامات يخفي الصراع القائم من أجل تكريس معايير أدبيّة كونيّة التي تمارسها المركزيّة الأدبية الغربيّة على الأعمال التي تستنسخها أو تُقلِّد نماذجها ، تصنيفها في دائرة ما تسميه أدب الكومنويلث، أو الأدب الفرنكفوني.
فما جدوى الكتابة عن ابن الخطيب ( 713 - 776 هـ./ 1313- 1374 م.) كواحد من أعلام الماضي المشرق، المستمر والحاضر معنا؟
عنوان هذه الرواية " ابن الخطيب في جنَّة طه " له علاقة بكتاب ابن الخطيب روضة التعريف بالحبِّ الشَّريف، الذي خصصه للحديث عن هذه الشجرة النابتة في جنّة عدن، شجرة المحبّة والمعرفة، وفي اعتقادي أن الباحثين عادة ما يتكلمون عن كتاب " شفاء السائل لتهذيب المسائل" لإبن خلدون ( 732- 808 هـ./ 1332- 1406 م.) كمصدر أوّل من مصادر تاريخ الفكر في القرن الثامن الهجري أو الرابع عشر الميلادي، لكنّ كتاب ابن الخطيب روضة التعريف بالحب الشريف أوْعَبَ من سابقه، وأَجْمَعُ مادّة، بحيث يضُمُّ مجمل المعارف الفلسفية والصوفية، وغيرها في موضوع المحبة، فيعطينا فكرة دقيقة ومتكاملة عن الحياة الفكرية والدينية في الأندلس المسلمة خلال هذسا القرن، وهو أحد المصادر الأساسية التي اعتمد عليها ابن خلدون في كتابة المذكور، وبناء عليه فإن حلول الذكرى السبعمائة للرجلين معا بالتاريخين الهجري والميلادي تجعل من الحديث عنهما أمرا متلازما، كما كانا في صداقتهما....